الثلاثاء، ٢٦ أكتوبر ٢٠١٠

نباتات حسب الطلب



نباتات حسب الطلب

بدأت الهندسة الوراثية أولى خطواتها فى عالم النباتات ، ومن ثم فلها فى هذا العالم تاريخ . ترى ؟ إلى أين وصلت؟

أى نبات تريد ؟ هل تريد نباتاً يضىء لك الظلام ، ويعالجك من نزلات البرد والأنفلونزا، ويقيك من الأمراض، ويعطيك قيما غذائية محددة ، ولا يتلف عند تخزينه ، وإذا زرعته لا يصاب بأى مرض ويقاوم الثلج والحر والملوحة والجفاف وجميع الظروف البيئية القاسية،وهل تتمنى عنقوداً من العنب بألوان الطيف وتيناً شوكياً بلا أشواك ! أم تريد طماطم صفراء وموزاً أحمر وبطاطا برتقالية وتفاحاً أبيض ؟ وماذا عن بقاياه ؟ هل تريد أن تستخدمها فى صنع الملابس والأكياس البلاستيكية واستخراج العديد من الكيمائيات الدوائية والصناعية .

احلم بما تشاء واطلب ماتريد فهو إما قد صنع بالفعل أو فى الطريق إلك حسب الطلب ورهن إشارتك.

أصبح الحديث عن نجاحات الثورة البيولوجية الجديدة فى شتى التخصصات هو شاغلاً لكثير من المطبوعات والأحاديث المرئية والمسموعة فى الآونة الأخيرة . ومما لاشك فيه أنها تستحق هذا الاهتمام ، حيث إننا بالفعل نعيش فى قلب ثورة علمية وتكنولوجية عارمة ترتكز على مادة الحياة وهى المورثات أو الجينات، ثورة تفوق كل ما سبقها من ثورات علمية، تدلى بدلوها فى شتى مناحى الحياة. وأن المتابعين لها لما يستجد فى تكنولوجيا الجينات يرون التقدم السريع المذهل فى هذا المجال، ولقد أثمرت تقنيات البيولوجيا الجزيئية النباتية " الهندسية الوراثية " وزراعة الأنسجة النباتية الحديثة الكثير من النباتات التى اكتسبت صفات وصوراً محسنة لم تظهر قط فى أى من أسلافها، ومازالت تلك التقنيات تخبىء لنا الكثير من المعجزات التقنية مما يجعل الآمال المرتقبة لا حدود لها فى تحقيق أهداف جديدة وغريبة لم تخطر يوما ببال أعظم الحالمين.

ولعل من أهم الفتوحات الجديدة فى هذه التقنيات هى هندسة النباتات للقيام بالعديد من الأغراض التى لم يتسن لها القيام بها من ذى قبل ، ولتصبح النباتا مثل الحاسوب الذى ينفذ تلقائيا الأوامر التى غرست بداخله حيث يتوافر الآن نظم جينية يمكن برمجتها لإنتاج صفات معينة مرغوبة عند نقلها للنباتات . وتعتبر النباتات الراقية من أكفأ الكائنات المنتجة والتى يسهل هندستها لسد معظم الاحتياجات والبيئية والمجتمعية .
نباتات حسب الطلب
لقد بدأت القصة فى الفترة مابين 1969و 1971 فى معملين للبحوث الأكاديمية ، آنذاك خطر ببال زميلين أمريكين أن يتناولا المادة الوراثية التى تعلما كيف يستخلصانها من كائنات مختلفة، تناولا من شأنه أن يربط بينهما.ونشأت عن هذا تركيبة جزيئية ، هى جزىء من الحمض النووى قابل للتمازج ، أدخلاه فى خلية بكتيرية حية، فتكاثر بنفس الكمية والفعالية والاستقلال التى كان يتكاثر بها فى الكائنات الأصلية التى عزلوه عنها.

هذه التجربة البسيطة تعطينا تعريفا للهندسة الوراثية: فالهندسة الوراثية هى طريقة لفصل المادة الوراثية "الجينات" وتمييزها وربطها فى تركيبات جديدة تتسم بالتجديد المستمر . والجينات هى الوحدة الأساسية للمادة الوراثية ، وتقول الوراثة التقليدية إن الصفة الواحدة يحكمها جين واحد، ومن الممكن فصل الجينات فى صورة نقية.

وهناك نقطة مهمة هى هبة ربانية، وربما كانت هى أصل الهندسة الوراثية،وتتمثل فى أن البيانات المسجلة فى مادتنا الوراثية فى صورة جينات هى بيانات عمومية. فلا فرق بين وضع شريط مسجل "كاسيت" فى هذا المسجل أو ذاك، سواء كان خفيفا محمولا من نوع "الووكمان" ، أو كان من نوع " استريو"، فإن القطعة الموسيقية سواء كانت "أم كلثوم" أو "موتسارت" تظل كماهى بلا تغيير. كذلك لا فرق بين أن تفرأ المورثة "الجين" فى هذه أو تلك الخلية.

فجين الأنسولين البشرى مثلا يقود إلى جزىء الأنسولين دائما سواء عمل فى خلايا الإنسان أو الذباب أو خلايا الخميرة أو البكتيريا. ولقد فتحت هذه الاكتشافات الحاسمة الطريق منذ أكثر من عشرين عاما تقريبا أمام إنتاج هرمونات ومواد مؤثرة على النمو ذات أهمية علاجية كبيرة لقطاع عريض من البشر، ولقد صدر أول ترخيص باستخدام الأنسولين المنتج من البكتيريا عام 1982 بالولايات المتحدة الأمريكية مما ساعد على توفيره لملايين البشر المصابين بمرض السكر .

والعملية فى حد ذاتها بسيطة حيث يتم فصل الجين الذى يناظر الهرمون من خلايا إنسان، ثم تولج فى خلايا البكتيريا والخميرة لتتحول إلى البروتين المطلوب. والجيل الأول من الأدوية المنتجة بالهندسية الوراثية قد قارب الخمسين دواء، وأكثر من عشرين منها يتداول الآن فى جميع أنحاء العالم.

ولقد طبقت تقنيات الهندسة الوراثية بشكل مناسب جدا ومثالى على البكتيريا والخميرة نظرا لسهولة التعامل مع مادتها الوراثية، فبينما يستطيع المهندس الوراثى أن يصمم تجربة معقولة تتضمن ألف مليون خلية من الخميرة أو من بكتيرية أ.كولاى ، فإن إجراء تجربة مناظرة إلى القمح أو الأغنام أو حتى ذبابة الفاكهة سيكون أمرا غير علمى وسيحتاج إلى مساحة زراغية ووقت كثير جدا.

ولقد ثبت أن النبات أسهل بعض الشىء من الحيوانات لسببين : أولا لأن العلماء قد وقعوا على إمكان تناول وتوجيه المادة الوراثية واستخدام طرق عديدة لنقل الجينات إلى خلايا النبات عن طريق حاملات المادة الوراثية بمثل بكتيرة "زجرو بكتريم تيوميفاشنس" أو بكتيرة مرض التدرن التاجى وناقلات البلازميدات أو النقل المباشر للجين باستخدام قاذف الجينات وطرق أخرى عديدة، أما السبب الأخر فى تفضيل النبات فهو سهولة كلونتها، والكلونة هى إنتاج نباتات جديدة تطابق تماما الأصل المنتج لها .

ويتم ذلك عن طريق تقنية زراعة الأنسجة النباتية وتعرف بأنها زراعة النسيج النباتى داخل الأنابيب (In vitro ) وتحت ظروف خالية من الأمراض والميكروبات . أما الإكثار بوساطة زراعة الأنسجة فيعنى استخدام زراعة الأنسجة النباتية "الخالية من الأمراض" لأغراض إكثار النباتات وإنتاج الأشتال بحيث تبدأ عملية الإكثار بالزراعة داخل الأنابيب.

وتتم الكلونة عن طريق فصل خلايا بعض الأنسجة النباتية عن بعضها ونشرها على مستنبتات غذائية صناعية تتكون من الآجار "مادة تشبه الجيلى" الذى يحوى مخلوطا غنيا من الكربوهيدرات، والقواعد ، والأحماض الأمينية، و الهرمونات النباتية والأملاح والمعادن، وغيرها. تستطيع الخلايا النمو على هذه البيئات لتكون كتلة صغيرة من الخلايا غير المتشكلة والتى تسمى كالوس Callus . فإذا ما نقل هذا الكالوس إلى مستنبت آخر يحوى هرمونات معينة، أمكنه التشكل وتحوير نفسه إلى ساق وجذر وأوراق مكونا كاملا جديدا. ولقد نشأ هذا النبات من كالوس واحد، بشأ بدوره من خلية واحدة .

وبهذه الطريقة يمكن إنتاج مجموعة كبيرة من النباتات المتطابقة تماما من الناحية الوراثية Clones
والهندسة الوراثية تتغلغل بشكل متزايد فى الزراعة، وتتناول العديد من المجالات الزراعية، ولقد أصبح عقد التسعينات هو عقد التطبيق الفعلى لمستحدثات الهندسة الوراثية فى مجال الزراعة التى تعانى العديد من المشكلات الخطيرة .

فقد أدى إدخال الأنواع عالية المردود واستخدام الكيمائيات الزراعية بكميات كبيرة إلى قصور شديد فى مجال التنوع الغذائى الزراعى . فأكثر من 90% من المواد الغذائية التى نأكلها تأتينا من 29 نباتا فقط كذلك توارت العديد من الأصناف القديمة لكثير من المحاصيل ، فمثلا لم يبق من أصناف التفاح التى كانت موجودة فى فرنسا فى القرن الماضى والتى بلغ عددها 2000 صنف إلا ما يربو على عشرة إلا فليلا . والجميع يعلم ما تعانيه التربة من أعباء نتيجة الكيمائيات الزراعية والتآكل المتزايد للأرض الزراعية وتملح الأرض القابلة للزراعة نتيجة زيادة استهلاك المياه . ومن هنا يتوقع أن يناط بالهندسة الوراثية دور حاسم حيث إنها وسيلة جديدة للتهجين ، يمكن أن تكمل وتوسع الإمكانات المتاحة بالطرق التقليدية .

ولقد نجح العلماء لأول مرة فى حقن التبغ والبيتونيا بمورثات، أو جينات، غريبة وراثيا سنة 1983، ومنذ هذا التاريخ والنجاحات تتوالى والأحلام تتمادى وتتعالى فى هذا المجال

أصناف جديدة وفريدة
ومن أهم المنجزات الشهيرة، والتى تعتبر بحق أول الحاصلات المهندسة "المحورة" وراثيا إنتاج الطماطم الأكثر تعميرا والتى تتحمل ظروف العرض والتخزين لفترات طويلة ، ولها قدرة عالية على مقاومة التلف، حيث نجحت شركة " كالجين " فى كاليفورنيا فى تخليق وإنتاج هذا النوع من الطماطم الذى لا يتلف بسرعة وذلك باستبعاد الجين المنتج للمادة المسببة لتلف جدران الخلايا . وهذا النوع من الطماطم صفراء موز أحمر وبطاطا برتقالية وتفاح أبيض !! وتتميز هذه الفواكه الجديدة المنتجة بهذه الطريقة باحتوائها على نسب عالية من الفيتامينات وسهولة تميزها عن الفاكهة العادية .

ولقد لعبت الهندسة الوراثية دورا مهما فى إنتاج محاصيل محورة وراثيا تلبى احتياجات المستهلكين وحسب طلبهم مثل إنتاج القطن الملون طبيعيا بألوان مختلفة وإنتاج خضر قزمية تكفى فردا واحدا فقط ، فعلى سبيل المثال أنتج علماء محطة أبحاث " ساليناس" بكاليفورنيا خسا جليديا بطعم الخس العادى وفى حجم كرة المضرب ، وذلك ليتناوله شخص واحد كطبق سلطة وذلك بالتحكم فى الجينات المنتجة لهرمونات النمو ، وسوف يطرح هذا الإنتاج فريبا جدا فى الأسواق الأمريكية . أما تبغ المستقبل فسيقدم للمدخن سيجارة آمنة غير ضارة بصحته ومع ذلك ستكون محتفظة بكامل نكهتها الطبيعية حيث تمكن علماء البيولوجيا الجزيئية بعد بحث استمر قرابة خمسة عشر عاما تقريبا من تقليل نسبة القطران بمعدل 20% بعد تطعيم نبتة التبغ بمورثات منقولة من الفئران .

وفى البرازيل استطاع العلماء إنتاج نوع من البقوليات يحتوى على نسبة عالية من البروتين والذى تم تحسينه عن طريق نقل الجين الخاص بإنتاج البروتين من أحد أنواع البندق البرازيلى، وهذا الجين قد تم عزله فى الثمانينيات من هذا القرن ولكن لم يتم نقله إلا منذ حوالى سنتين فقط نتيجة لتقدم تقنيات نقل الجينات باستخدام قاذف الجينات الحديث والذى يقذف الجينات بسرعة تزيد على ألف ميل فى الساعة إلى خلايا النبات .
لقد فطن البشر منذ آلاف السنين أن البنات يهب الحياة ، فبالإضافة إلى أنه مصدر للغذاء والكساء والتدفئة، فإنه المصدر المتجدد والدائم للأكسجين الذى نحيا عليه، والفيتامينات توفر لنا الصحة وتقينا وتشفينا من الأمراض . ومع تقدم التقنيات الطبية والصيدلانيو والصناعية الحديثة لم يستطع الإنسان أن يستغنى عن النبات ولكن على العكس تعاظم الاحتياج للنبات بشكل لم يسبق له مثيل . وبالفعل لقد أصبح بالإمكان هندسة النباتات لتعطى لقاحا لمقاومة بعض الأمراض التى تصيب الإنسان أيضا وكذلك لتكون خطا مناعيا ودفاعيا للبعض الآخر. ولقد تمكن الباحثون من تحوير نباتى البطاطس والبرسيم ، حيث أصبحا قادرين على إنتاج لقاحات وأمصال لأمراض مميتة 0 ومثل هذه النباتات عالية القدرة Superpower Plants من الممكن أن تنقذ الآلاف من الأرواح وبشكل خاص فى الدول الفقيرة التى تفتقر إلى الكثير من الأمصال والطعوم الطبية والتى تعانى من تفشى الكثير من الأمراض لندرة الرعاية الصحية أو انعدامها .

ولقد استطاع الباحثون بمعهد "بويس ثمبسون" هندسة البكتيريا وتسبب الإسهال لكثير من البشر وهى السبب الرئيسى لوفاة نسبة كبيرة من الأطفال والرضع فى العالم النامى، وتجرى الآن الاختبارات العديدة لاختبار صلاحية هذه البطاطس لتغذية البشر، كما تجرى فى نفس الوقت محاولات لنقل وتأكيد عمل هذا الجين لمصدر آخر مهم لإنتاج الطعم وهو نبات الموز. ولقد استطاع "ميخ هاين" هندسة البرسيم ليحمل أجساما مضادة للكوليرا .

وباستخدام نفس التقنية يمكن نقل الجين للعديد من النباتات حيث تصبح قادرة على إحداث المناعة للأمراض عند أكلها. ولقد نشأت فكرة إنتاج الطعوم واللقاحات الصالحة للأكل منذ حوالى أربع سنوات عندما تولى "تشارلز" هذه الفكرة بالرعاية والتى كان يظنها البعض فكرة مجنونة ، ولكنها الآن قيد التنفيذ، ولقد أصبح الحلم حقيقة ثابتة تزداد رسوخا يوم بعد يوم. واللقاحات الصالحة للأكل لها نفس التأثير الذى تسببه اللقاحات المحقونة، فهى تحفز الجهاز المناعى فى الجسم وتدربه لكى يتعرف على الأجسام الممرضة والغازية ، فيستطيع مهاجمتها ، والتخلص منها، ومن ثم فالنبات الحاوى للقاحات لا يسبب أى مرض ولا أى خطر، ويتميز برخصة وسهولة تداوله. ومن ناحية أخرى مازالت هذه التقنية فى مهدها وتحفها بعض المشاكل مثل صعوبة وصول البروتينات الممرضة إلى الجهاز المناعى داخل الدم لمرورها خلال القناة الهضمية للإنسان، ولكن مثل هذه الصعوبات تتاح لها الحلول بقليل من البحث المنظم .

ومن الحلول المقترحة مثلا زيادة نسبة البروتينات فى النباتات المحورة وراثيا، حيث يتبقى قدر منها قادرا على إحداث المناعة بالجسم . وأظهرت هذه التقنية نجاحا مبدئيا فى إنتاج لقاح لمرض الإيدز الشهير، ولقد ظهرت بعض النتائج الإيجابية تمثلت فى نقل بعض الحموض الأمينية الخاصة بالفيروس إلى مجموعة من النباتات والتى أظهرتها بعد زراعتها مما يعضد استخدام هذه التقنية فى إنتاج الطعوم واللقاحات لكثير من الأمراض التى حار فيها الإنسان كثيرا على مر العصور.

ولقد تم تطعيم التبغ بمورثة تحضه على إنتاج بروتين يستخدم فى علاج بعض الحالات العصبية واستطاع الفرنسى "لوبيك فاى" أن ينتج من نفس النبات بروتينيا بشريا يصلح فى حالات نقل الدم، ثم تلاه مواطنه "مايكل ماردين" مع فريق كبير من العلماء من إنتاج هيموغلوبين اصطناعى من نفس النبات، ولقدأثبت الهيموغلوبين الاصطناعى فعالية كبيرة ولم يؤد وظيفته الطبيعية بكفاءة تامة فقط بل تفوق على مثيله المنقول من البشر أنفسهم أو الحيوانات لخلوه من الأمراض ولنقائه التام وعدم تلوثه بمسببات مرضية . ومن هنا نستطع القول إن نبات التبغ المشبوه والذى ثبت أنه واحد من عوامل الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب قد تحول إلى نبات وديع منتج للدواء !!

ومن ناحية أخرى أصبح الآن فى متناول اليد إنتاج هرمونات الحمل من نباتات البيتونيا ، ويأمل العلماء من هذه التجارب المفيدة فى هذا الحقل الفريد صنع نباتات ذات قدرة عالية لإنتاج مواد علاجية فعالة ونادرة يحتاج إليها البشر أجمعون.

زهور العشق المضيئة

ومن أطرف التطبيقات الحديثة فى هذا المجال وأكثرها رومانسية إنتاج الزهور الطبيعية والتى تضىء بهمسات ولمسات العشاق الدافئة والتى تعتبر مقياسا لحرارة الحب. والمحاصيل التى تضىء وتتوهج فى الظلام من الممكن أن تنذر وتنبىء المزارعين بالأمراض والأضرار التى تحيق بها ، مما يؤدى إلى دقة وسرعة التدخل لعلاج الأمراض فى الوقت المناسب وبأقل قدر من المبيدات الكيميائية والحشرية . وهذه الأحلام باتت فى حكم الحقيقة وستصبح هذه المحاصيل فى أيدى الزراع عما قريب ، وتحديدا بعد حوالى ثلاث سنوات من الآن فقط. فقد تمكن "أنتونى تريوافاس" من أيدنبرج ومجموعة من الباحثين بجامعة أكسفورد بإنجلترا من عزل جين من قنديل البحر Jelly Fish والذى يؤدى إلى توهجه وإصداره ضوءا أزرق حال تعرضه للضغوط والمؤثرات الخارجية .

وبعد نقل هذا الجين لنبات التبغ وبعض الطحالب، أظهرت النباتات نفس الوهج الأزرق حال تعرضها للعديد من المؤثرات الخارجية مثل الجروح والإصابة بالأمراض . ومما يثير الدهشة أن بعض النباتات المختبرة بدأت بالتوهج قبل إصابتها بمرض فطرى بحوالى أسبوع كامل ، مما يعضد من استخدام هذه النباتات كجهاز إنذار وناقوس للحماية من المخاطر التى تحيق بها . ومن الممكن أن توزع مثل هذه النباتات مع المحاصيل المهمة حتى ولو بنسبة ضئيلة "بذرة واحدة لكل ألف بذرة من البذور العادية" مما يؤدى لسرعة تدخل المزارعين فى الوقت المناسب للسيطرة على الأمراض .

من زراعة البحر إلى مصانع الأشجار

إن القرن القادم سريعا هو قرن ندرة المياه، ويحذر تقرير أذاعته أخيرا الأمم المتحدة، من أن ثلثى سكان العالم سيعانون من نقص متوسط، وربما حاد فى المياه فى غضون الأعوام الثلاثين القادمة، ويؤكد التقرير أن نقص المياه يزداد فى بعض مناطق العالم لدرجة أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فسوف يعانى أكثر من 67% من سكان العالم من ندرة المياه.

وفى الآونة الأخيرة أطلق بعض الخبراء صيحة تحذير من أن حروب المستقبل سوف تنشب بسبب الصراع على الموارد المائية ، حيث لا ترقى مصادر المياه الأرضية للحاق بالثورة الزراعية، وإطراد الزيادة السكانية فى كثير من بقاع العالم ، كما أن الثورة الخضراء وتقنيات الزراعة الحديثة قد حلت أوزارها على كثير من الأراضى المنزرعة فأضحت خرابا لا تصلح للزراعة نتيجة للتلوث البيولوجى والكيميائى وزيادة نسبة الملوحة فى التربة. كما أن العقود القديمة تنذرنا بالعديد من الصعوبات والتى تدق أجراس الخطر لها هذه الأيام ، مثل التصحر والجفاف وازديد درجة حرارة الكرة الأرضية، وزيادة التلوث البيئى، مما له بالغ الأثر فى نمو وحياة النبات والإنسان وجميع الكائنات الحية .

والخيارات المطروحة تتميز بقدر من الصعوبة للتحقيق، إما أن يتم استصلاح هذه الأراضى بالطريقة الكيميائية والميكانيكية، وهو ما يحتاج إلى تكلفة وجهد كبير وعمل كثير، والخيار الآخر هة تحوير النباتات وأقلمتها لتصبح قادرة على تحمل مثل هذه الظروف القاسية، وهذا هو الخيار الأصلح للتنفيذ باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية الحديثة. ولقد مكنتنا التقنيات الحديثة من الحصول على نباتات ذات احتمال عال للملوحة من محاصيل البرسيم والأرز والتبغ والفلف والطماطم وأصناف أخرى عديدة، وبلغت درجات قصوى لتحمل ملوحة تقترب كثيرا من درجة ملوحة مياه المحيطات والبحار.

على نفس المنوال كان حلم الإنسان قديما وحديثا أن يرى الأرض المحيطة به جنة خضراء زاهرة، تزخر بما لذ وطاب من الخضر والفاكهة، ولكن حلم "كريس سومر فيلى" من معهد كارنيجى الأمريكى حلم مختلف، فعندما ينظر إلى جنة أحلامه يجد النايلون والبلاستيك وكثيرا من المواد الصناعية الأخرى، وها هو يصارع الواقع لتحقيق حلمه الغالى، ويؤكد أفكاره ويقول " لم لا" ؟! فالنباتات متجددة وطبيعية ولها القدرة على منافسة البترول فى إنتاج كميات كبيرة من المواد الكيميائية " .

وفى الحقيقة أنه استطاع تحوير نبات الأرابيدوبسيس، باستخدام جينات بكتيرية، تنتج ثلاثة أنواع من الأنزيمات اللازمة لإنتاج البلاستيك، وإستطاع بذلك إنتاج نباتات تحوى حوالى 14% من وزنها الجاف بوليمرات تستخدم فى إنتاج البلاستيك . ولقد استطاع سومر فيلى تسويق هذه التقنية الفريدة بشكل جيد عن طريق إحدى كبرى شركات التقنية الحيوية والتى تسمى " منسانتو" ، ثم وجه أخيرا أبحاثه صوب إنتاج النايلون. كذلك تستطيع النباتات إنتاج أكثر من 400 مادة غير غذائية، ولقد تمكنت شركة "كالجين" الأمريكية من تحوير نبات الشلجم لإنتاج بعض الأحماض اللازمة لإنتاج الكثير من المنظفات الصناعية ، كما تمكنت شركة "أجراسيتوس" من هندسة نبات القطن لإنتاج ألياف تحتوى على مادة تشبه البوليستر .

لقد استطاعت شركة نيو تكنيكس الأمريكية استنباط صنف من الذرة يفوق الأصناف القديمة من حيث المناعة ضد الأمراض ومن حيث القدرة على مقاومة الحشرات، وهو بذلك يصبح أغزر محصولا وأكثر نفعا وأعلى قيمة غذائية. ولقد تم استنباط سلالات وأصناف جديدة من نبات القمح تتميز بالقدرة على مقاومة "المن" الذى يشكل خطرا كبيرا على محصول القمح. أما كندا فقد سمحت بتداول سبعة أنواع من الأغذية المهندسة وراثيا والصالحة للاستخدام الآدمى بعد التأكد العملى من صلاحيتها. ومن هذه الأنواع البطاطس المسماة مونسانتو جديد الأوراق Monsanto New Leaf Potato والذى تم تغييره ليحتوى على الجين محارب الآفات والمعروف باسم "بى تى" والمنقول من البكتيريا Bacillus thuriagiensis والذى يحمى البطاطس من غزو أخطر الحشرات والتى تسبب أفدح الخسائر لمحصول البطاطس مثل خنفساء كولورادو Colorado Potato Beetle وهذا الجين ليس بالحديث فقد تم استخدامه منذ حوالى ثلاثين عاما للسيطرة على الآفات فى الحدائق والمزارع.

المستقبل يحمل آمالا كبيرة

مازال هناك الكثير من المنجزات المتوقعة فى المستقبل القريب. فهى تشمل فيما تشمل، تخليق بن ينمو على الطبيعة خاليا من الكافيين ، وفول الصويا الغنى بزيت الحوت، بالإضافة إلى زيوته الطبيعية، ونباتات قادرة على تنظيف البيئة أيضا. ولقد باتت الأسهم التجارية المتعلقة بهذه التكنولوجيات الحديثة من أكثر الأسهم طلبا وربحا فى الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن تزرع مساحة تتعدى العشرين مليون هكتار المحاصيل وراثيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلى سبيل المثال يمكن توفير حوالى 2.7 بليون دولار من 8.1 بليون دولار تصرف سنويا على مبيدات الحشائش الكيميائية باستبدال الأصناف العادية بأصناف محورة وراثيا بنقل جين الـ "بى تى".

مما سبق يتضح للجميع أن نهايات القرن العشرين والتى نحياها الآن تحمل بين جنباتها ثورة علمية هائلة من تطبيقات التقنيات الحديثة فى المجالات الزراعية والصناعية والطبية والمعلوماتية والمجالات العديدة الأخرى، لقد آن لنا نحن العرب أن نلحق بقطار العلم السريع، وبشكل خاص "عربة الهندسة الوراثية" حيث لن يقف هذا القطار فى البلدان النامية بعد ذلك إلا إذا توافرت محطات تطبيقات التقنيات الحديث، ولا سيما تطبيقات الههندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية.

هناك ٥ تعليقات:

  1. having healthy fruits is something useful for your own pain and health,the more useful fruits u have ,the longer life u have , i read some helpful topics like that in http://www.oohoi.com it's really so helpful site too , i hope u enjoy it

    ردحذف
  2. مدونة حضرتك أكثر من رائعة وفيها معلومات مفيدة جدا

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع الجميل ** بجد موضوع جميل ومشوق... بارك الله فيكم يا شباب

    ردحذف
  4. السلام عليكم
    انا ابحث عن اشخاص لكتابة مواضيع طبية
    نقل من مواقع اخرى و ترجمة وكتابة حصرية اذا كنت ترغب بالتعاون فأرجو مراسلتي على ar.hi99@yahoo.com

    ردحذف